إمارة بني قرمان

 بسم الله الرحمان الرحيم

إمارة بني قرمان

أصل بني قرمان:

يقال لجدهم نوره صوفي، أصله أرمني، وكان يسكن بمدينة أماسية في شمال شرق آسيا الصغرى، وصار من أتباع البابا إلياس، فلما قُتِل هذا البابا، انتقل إلى مدينة قونية في وسط آسيا الصغرى، فاستقر بها، واعتنق الدين الإسلامي.

إمارة بني قرمان، تاريخ، مصطلحات، نواريخ، شخصيات، جغرافيا، اسرائيل، فلسطين

 ويسوق المؤرخ السلجوقي ابن البيبي – الذي كان معاصراً لإمارة بني قرمان – رواية مفادها بأن والد بني قرمان يعرف بقمر الدين، وكان في بداية أمره يعمل فحَّاما بنواحي الأرمن ويأتي بالفحم من جبال هذه الناحيـة ويبيعها في مدينـة لارندة، ويكسب بذلك قوتـه وقوت أولاده. وتتعدد الآراء التاريخية حول أصل الأسرة القرمانية فنجد لدى منجم باشي رواية نقلها عن أحد المؤرخين الذين كتبوا عن إمارة بني قرمان تفيد بأن أصل القرمانية من طائفة ( غز التي )، ثم قيل لهم بعد ذلك أوغوز انتقلت منهم نحو عشرة آلاف بيت إلى بلاد الروم من بلاد أذربيجان وشروان هرباً من تسلط التتار عليهم والتجأوا إلى سلاجقة آسيا الصغرى وصاروا من رعاياهم كما كانوا قبل خروجهم من بلادهم الأصلية تركستان، فأسكنهم السلاجقة في ثغور البلاد الخاضعة لهم فاختلطوا بالتركمان وارتحلوا معهم إلى البلاد التي فتحوها، فآلت رئاستهم إلى أمير يدعى سعد الدين وأخيه عماد الدين فاتفقا مع رئيس للتركمان يعرف بـ خير الدين  ،فأخذوا يغيرون على بلاد الأرمن ويقطعون الطريق   ثم توفي سعد الدين وخلّف وراءه ولداً اتصف بالشجاعة  اسمه نور الدين فانقاد له عمه عماد الدين ورئيس التركمان خير الدين وبعض رؤساء العشائر التركمانية مثل طورغود وبايبورد وغيرهم.

ولما رأوا شجاعته وإقدامه انضموا إليه وسار فيهم وأخذ مدينة ايرقلية  من النصارى بعد أن دعا أميرها إلى الإسلام فأجابه وصار من أتباع نور الدين  ثم التقى نور الدين بالأمير حاجي بهاء الدين صاحب سيواس، وانهزم بهاء الدين أمامه واستولى على سيواس منه ، واضطر السلطان السلجوقي إلى ملاطفة نور الدين عندما رأى قوته وكثرة أتباعه وتسلطه على البلاد التي وقعت تحت سيطرته، فأذن له بعد مدة وجيزة بفتح مدينة أرمناك، فقصدها نور الدين وفتحها مع بعض الحصون المجاورة لها، وعيّن عليها السلطان السلجوقي أحد أبناء نور الدين ويدعى قمر الدين قرمان، وعندئذ عظم أمر نور الدين فبدأ يميل إلى حياة الزهد ، وبايع الشيخ إليأس في سيواس، واشتهر بعد ذلك بنوره صوفي  .

غير أن هذا الأمير مالبث أن تنازل عن الإمارة لابنه قمر الدين قرمان ، وكان هذا الأمير يتمتع بشخصية قوية لدرجة أن السلطان السلجوقي كان يداريه خوفاً من شره ، فسار قرمان نيابة عن السلطان وفتح سلفكة  وقلعة سهل موت القريبة منها، وأعطاه السلطان هذه البلاد إلا أنه لم يقتنع بها وبدأ يتعرض للبلاد السلجوقية نفسها، وكان قرمان متزوجاً بابنة عم السلطان الملك أرسلان حاكم بلدة أقسراي  فنصحه الملك أرسلان غير مرة بأن يترك الظلم والفساد وألا يعتدي على أملاك السلاجقة ولكن هذا النصح لم يؤثر فيه حتى اضطر السلطان إلى أن يدبر له من يقتله بدس السم له في الطعام فمات متأثراً بذلك

 وللأسف لم تحدد هذه الرواية تاريخ وفاته، ودُفِن قرمان في مدينة أرمناك إلى جوار قبر والده نور الدين  وكان قرمان قد ترك عند وفاته أربعة أولاد ذكور كلهم من ابنة الملك السلجوقي أرسلان أكبرهم محمد بك ثم محمود ثم خليل ثم قاسم وكان الأخيران وقت وفاة أبيهما صغيرين في السن ويعيشان عند والدتهما، وأما محمد ومحمود فقد حملهما أمراء والدهما عند وفاته إلى جبل بلغار وتحصنوا فيه لأن السلطان السلجوقي قد أمر والي مدينة لارندة ابن خوش بأن يستأصل شأفة جميع أولاد قرمان نكاية بأبيهم فلم يقدر والي لارندة على الظفر بهما ولكنه لم ييأس من القبض عليهما وقد جاءته الفرصة المناسبة لذلك عندما نزل محمد بك بن قرمان من الجبل لزيارة والدته فتمكن ابن خوش من القبض عليه وزج به في السجن، وأخذ ينتظر الظفر بأخيه، ولكن محمد بن قرمان تخلص من السجن بمساعدة بعض أنصار والده فهرب متنكراً إلى قلعة سهل موت فاجتمع عنده طائفة كبيرة من المقاتلين واتفق أن أحد أعيان هذه القلعة كان قد رتب وليمة للعرس فأرسل إلى ابن خوش أمير لارندة وطلب منه أن يبعث إليه طبلاً وعلماً لنقل العروس من قرية إلى أخرى، ولما ضُرِب الطبل ورفع العلم خرج محمد بك بن قرمان ومن كان عنده من المقاتلين فأخذوا الطبل والعلم واستولوا على تلك القلعة، فعظم جمعه وازداد شأنه واشتدّ  أمره وقاتل ابن خوش فانهزم أمامه واستولى على لارندة، وانضم إليه خاله خليل بك بن الملك أرسلان وخال والده أرتنا بك بن جعفر بك أمير قيسارية  وابن بايبورد وابن طورغود وغيرهم من أمراء الأطراف، ثم شنّ هجوماً على قونية  فهرب منه السلطان السلجوقي إلى بيك شهري، فاستولى محمد بك على قونية

بدايـة ظهورهم:

لما استولى السلطان السلجوقي علاء الدين كيقباذ الأول (616-634هـ/1219-1236م على مدينة أرمناك وماحولها من ثغور بلاد الأرمن سنة 625هـ/ 1228م نقل إليها بعض القبائل التركمانية وأسكنهم بها ليحفظوها، ثم قرَّب السلطان السلجوقي إليه أحد زعماء تلك القبائل وهو من أبناء نوره صوفي بك ويدعى كريم الدين قرمان، وزوَّجه أخته، وجعله أميراً على تلك القبائل، ومنذ ذلك التاريخ سطع نجم كريم الدين قرمان في آسيا الصغرى، وجعل مدينة أرمناك عاصمة لإمارته.

وبين أيدينا رواية أخرى تشير إلى أن نوره صوفي  احتال على والي قلعة سلفكة، ولم يكن هذا الوالي قد اعتنق الإسلام بعد ، فأظهر له نوره صوفي الصداقة والمحبة، وتمكن منه، وصار يتردد مع أتباعه على تلك القلعة بين كل فترة وأخرى حتى استولى عليها ، وأرسل إلى السلطان السلجوقي علاء الدين كيقباذ يخبره بتلك الواقعة ، وطلب منه أن يرسل إليه ابنه كريم الدين قرمان لضبط القلعة، وكان كريم الدين قد صار وقتئذ من خواص السلطان وترقى إلى منصب أمير أخور لديه، فبعث السلطان ولده قرمان إليه، وفوّض إليه حكم قلعة سلفكة وجميع ما يفتحه من البلاد، وحمل قرمان راية الجهاد نيابة عن السلطان في البلاد المجاورة للدولة السلجوقية التي لم يدخلها الإسلام بعد، فسرّ بذلك السلطان ، وكافأه بأن ضم إليه ولاية لارندة، وقلّده منصب أمير الأمراء، وعندما دخل المغول إلى آسيا الصغرى بقيادة " بايجو نوين"  ، وهزموا السلاجقة في معركة كوسة داغ  سنة 641هـ/1243م كان لهذه المعركة نتائج بالغة الأهمية؛ منها أن هذه الهزيمة أضعفت كيان الدولة السلجوقية، وفتحت باباً للتفكك السياسـي في تلك المنطقة حيث بدأت منذ ذلك الحين تظهر فيها إمارات تركية،  استقلت عن الحكم السلجوقي، وكان من بينها إمارة بني قرمان، ومنذ ذلك الوقت خضعت آسيا الصغرى للسيادة المغولية ولم يتبـق للسلاجقة فيها إلا "سلطة نظرية ونصف استقلال.

وبحسب رواية ابن البيبي فإن الأمير قرمان تنكر لمواقف السلطان السلجوقي معه وانتهز فرصة انهزام السلاجقة في معركة "كوسة داغ " وشرع مع أبناء جنسه – يقصد التركمان – في السرقة وقطع الطرق، "وانتقل من مرتبة السير على الأقدام إلى ركوب الخيل.

ويصف أحد المستشرقين إمارة بني قرمان بأنها أكبر الإمارات العشر التي ظهرت في آسيا الصغرى ويعزو سبب تسميتها بذلك إلى القبيلة التركمانية التي حلّت في هذه الأرجاء، وكانت قاعدتها مدينة لارندة، وقيل لها قرمان أيضاً نسبة إلى الإمارة.

وفي سنـة 654هـ/1256م دعا السلطان السلجوقي ركن الديـن قليج أرسلان الرابع  الأمير كريم الدين قرمان إلى طاعته، وأعطاه منصباً، ومنحه إقطاعاً كبيراً، فحقق من جراء ذلك مالاً وفيراً، ثم رأى بعد ذلك أنه لم يعد بحاجة إلى السلطان، فقرر مع أخيه الذي أطلق عليـه المؤرخ  ابن البيبي اسم "بونسوز " شق عصا الطاعة على السلطان الذي كان في كل مرة يقر إنزال العقوبة فيهما ولكنه مايلبث العدول عن ذلك، ويعزو ابن البيبي سبب ذلك إلى أن لهما في بلاد الأرمن بيوتاً يقطنها أنصار كثيرون، ويخشى من مغبة تضامن هؤلاء مع بني قرمان والثورة على الدولة السلجوقية.

 

د. علي المحيميد

تعليقات